كتب الدكتور حسام شمعون:

المُمحاة أو “المَحّايَة”، إحدَى أسباب الهُجرَة

نَرى التَّلامِذَة في الصُّفوف الإبتدائِيَّة الأساسِيَّة، وفي جَميع المَدارِس الرَّسمِيَّة والخاصَّة، يَستَعمِلون الممحاة أكثر مِن القَلم، حَيثُ تَتَعرَّض الكلِمَة لِلسَّحق، أكثَر مِن مَرَّة، بَدَلاً مِن تَرمِيمِها، إذا كانَت قابِلَة لِلتَّرميم. وتَرمِيم الكَلِمَة جُزء مِن مادَّة الرَّسم، هَذِه المادَّة المَوضوعَة في المَنهَج الأكادِيمِيّ اللُّبنانيّ.

إذاً، التَّلامِذة بِحاجَة ماسَّة إلى التَّوجِيه، لِتَرمِيم الكَلِمَة، بَدَلاً مِن مَحوها في أكثَر الأحيان.

لَقد أصبَحَت المُمحاة جُزءاً لا يَتَجزّأُ مِن شَخصِيَّة التِّلمِيذ، وهِي هاجِسه الأوَّل، قَبلَ الكُتُب والدَّفاتِر والدُّروس، ولَيسَ التَّرميم، حَتَّى أنَّه يَرفُضُ تَرمِيم الكِتاب والدَّفتَر والحَقيبَة المَدرسِيَّة.

وعِندَما ينتَقِلُ التِّلميذ إلى الصُّفوف الثّانَويَّة، يُريدُ سَيّارَة جَديدَة عَصرِيَّة، بَدَلاً مِن تَرمِيم السَّيارَة المَوجودَة. وفي وَقت لاحِق، يَرفُضُ تَرمِيم المَنزِل، ثُمَّ يلتَحِقُ بِتَيّار الهُجرَة النّازِف، لأنَّ المُمحاة اللَّعينَة، لَم تَترُك لَهُ ما يَتَعلَّق بِه في لُبنان، لا دار مُرَمَّمَة، ولا بَيت مُرَمَّم، ولا سَيّارَة مُرَمَّمَة، حَتَّى أنَّها مَحَت الحَنين، لِناحِيَة بَلدته والوَطن والكَيان، ولم يَبقَ في شُعورِه، سِوى الحَنان لأهله ورِفاقه وأترابه. وَهو يُعزِّي نَفسه، بِوُجود وَسائِل التَّواصُل الاجتِماعِيّ، على أنَّها تَردُمُ الهُوَّة بَين غُربته، وأهل الوَطن المُقِيم.

وَيَبقَى هَذا اليافِع، بَقاءً دائِماً فِي وَطَنِه الثّانِي، الغرِيب، بِمناخه، وأهله، وعاداتهم، وتقالِيدهم، وثقافَتهم، واختِراعاتهم، وصِناعاتهم… ويُشارِكُهم في إعمارِه وتَقدُّمِه… وفي أحيان كَثِيرة، يَقبلُ بِالإجهاض، أو يَطلُبُه، لِسبَب، أو لِغير سَبب….

مشاركة.

التعليقات مغلقة.