الإنتحار! ما هذه الظاهرة الموجعة التي يتكاثر وجودها في يومنا هذا؟ وما هذه الصاعقة التي تضرب اعزاء لنا فترميهم بالضربة القاضية وتجرحنا لوقت قد يمتد لسنوات ؟

إنه القرار الصعب الذي قد يتخذه الشخص في لحظة سوداء، وينفذه، فيحرمه الحياة ويدمي قلوب الأهل والأقارب والأصدقاء.

ما اقوله اليوم موجه الى أفراد مجتمعنا الذين يرزحون تحت هول الإنهيارات على كافة الأصعدة، ورغم ذلك تراهم يبذلون الجهود ويتمسكون بالحياة و بأحباء لهم رافضين خسارتهم بسبب الإنتحار.

من يقدم على خطوة الإنتحار يا أعزائي، هو شخص لم يحتمل الوجع الذي قد تتعدد أسبابه، ولم يحتمل الضغوطات الكبيرة التي تواجهه فاعتبر في لحظة سوداء، ان الهروب بالإنتحار هو الملاذ الوحيد. بعضهم يتسرع في التنفيذ بنَزَقيّة، وبعضهم يخطط لها نتيجة اكتئاب شديد وضغوطات تعمي البصيرة لدرجة عدم ايجاد سبل متاحة للخروج من النفق المظلم الذي يشعرون به.

ولا نتكلم هنا عن بعض الحالات الفصامية -الذهانية التي قد تقدم على خطوة تدمير الذات بطريقة غير واعية، ولا عن بعض الحالات التي، وتحت تأثير الكحول والمخدرات، قد تتصرف بطريقة غير واعية فتؤذي نفسها ومن حولها. اننا نتحدث عن اشخاص عرفناهم لفترات طويلة وعرفنا مسيرتهم وحبهم للعمل والحياة فنتفاجأ اليوم باقدامهم على خطوة مميتة لم نتوقعها لهم ومنهم.

أشبّه الإكتئاب الشديد بغيمة سوداء تعمي العيون، وبحجر ثقيل يقف عائقا امام تنشق الشخص لأوكسيجين الحياة. هو الإنهيار امام الضغوطات الكبيرة التي فاقت بكثير القدرة “الحالية” لهذا الشخص المرهق على التحمل والإستمرار.

اسئلة اسمعها كل يوم حول الإنتحار: اهو ضعف ام قدرة ام هروب ؟
ولكي لا نغرق في التحليلات التي ترتبط بخصوصية كل حالة على حدة، دعونا كمجتمع نتعاون لتلقف المخاطر ومساعدة هؤلاء الأشخاص قبل فوات الأوان.

فإن لاحظتم التعب الكبير عند احدهم، مترافق بعوارض حزن وانعزال وفقدان الرغبة بالقيام بنشاطات اعتاد القيام بها، وايضا الشرود الفكري والنقص في التركيز والإنفعالية والأفكار السوداء وغيرها من العوارض الإكتئابية التي استمرت لأيام واسابيع، فلا تستخفوا بها. واذا لاحظتم التغيير المفاجئ في مزاج هذا الشخص وظهور اشارات تدل على فقدان الأمل والعجز امام الواقع، واذا ما عبّر عن رغبة التخلص من الحياة وقام بتكرار ذلك واعتمد سلوكيات سلبية، وفقد شهية الطعام ولذة النوم والنشاطات التي كانت تسعده سابقاً فاصغوا اليه ولو للحظات ولا تحكموا عليه بالضعف بل تفّهموه واحترموا معاناته وتعاونوا على احاطته بالحب والدعم والإحترام فهي اول الدواء، ومن ثم شجّعوه ورافقوه نحو العلاج النفسي أو الدوائي على يد مختصين في معالجة الإكتئاب.

نعم إن هذا الإضطراب الشائع والذي تزداد حدّته في الأزمات الإجتماعية والنفسية والإقتصادية … هو قابل للشفاء، ونعم يستطيع الشخص من خلال المساعدة الخروج من هذا النفق المظلم قبل التسرّع في اتخاذ قرار الهروب المميت بلحظات، فينجو وينعم بالحياة متخطيا الإنتحار.

مشاركة.

التعليقات مغلقة.