مقرف كيف ان هذا النظام العالمي المهيمن حرّف أذواق مجتمعنا وسلّع كل مفاهيمه. حرّف ذوق المجتمع في الطعام فاستبدل البرغل بالبقيّة (للعلم اسمها بقيّة وليس بايلاّ) واستبدل الصيادية بال”سوشي” وريش العواس ب:الستيك أو بوافر”. حرّف الذوق في اللباس فبدل القطن النايلون، وبدل الخياطة الجاهز، وبدل الجلد البوليستر.

حرّف هذا النظام المهيمن الذوق في الجمال ونظرة المجتمع الى نفسه. فأصيبت النساء برهاب الوزن الزائد (والرجال ايضاً ولو بدرجة أقل) وبات معيار الجسم السليم هو الجسيم النحيل حتى ولو كان عليل. وفي سبيل ذلك لا ضير من استعمال أدوية السكري على صحة السلامة لتخفيف الوزن، أو صرف ساعات يومياً في سجن النوادي الرياضية. حدّد لنا هذا النظام معايير جمالية عبر عارضات وعارضي الأزياء بالرغم من أنه حسب دراسة اجريت مؤخراً ٧٠% من عارضات الأزياء مصابات بالهزال في الوزن والكثيرات منهن بمرض فقدان الشهية العصبي Anorexia. وبما يعود لعارضي الازياء زادت الكتلة العضلية بشكل لافت. أدى هذا النموذج المشوّه الى عدم اقتناع قسم كبير من المجتمع بجسده وباتت الأمراض النفسية المرتبطة بالوزن تزداد شيئاً فشيئاً.

عاد هذا النظام المهيمن ليطور معايير جديدة للجمال منها ما هو مرتبط ايضاً بفكرة الشباب الدائم. راجت عمليات الجراحة البلاستيكية حتى أن كثير من البلدان ومنها لبنان أدخلت على نظم الاقراض أنواع من القروض الخاصة بالجراحة البلاستيكية (منيحة الأزمة وقفت كل أنواع القروض ومنها قروض التجميل). أدى ذلك الى تشوهات ليس في المظهر الخارجي للبشر فقط بل ايضاً في نمط تفكيرهم ومعاييرهم المجتمعية. كبرت الشفاه وتضخمت. وكذلك الأثداء والمؤخرات. ونُحتت البطون والأوراك. وباتت الجلود مشدودة ومنفوخة دون أي تجاعيد حتى لو بلغ “بني آدم” عشر عقود. والنتيجة. نساء تشبه بعضها البعض ولا امكانية أحياناً للتمييز بينها. رجالاً ونساءً رقّت جلودهم من كثرة الشدّ لكن اذا نظرت الى أيديهم ورقابهم تكتشف ان أعمارهم أضعاف مضاعفة عن مظاهرهم. حُرّفت أذواق البشر لدرجة مخيفة وبدأوا يبحثون عن الشباب الدائم والخلود الأبدي. وبمقارنة بسيطة في محيطنا بين ٣ أجيال الجدة والام والحفيدة، ترى الجدة ولو أن وزنها زائد حسب المعايير الحالية الا أنها نشيطة مثل “المكوك” لا تهدأ. أما الجيل الثاني (جيل الأم) الذي بدأت سوسة الجمال تنخر فيه فتجد أن آلام الظهر وضعف القوة والمناعة المنخفضة ملازمةً له لكنه…. ينتبه الى جسمه. أما الجيل الثالث (الحفيدة) فلا أعلم ان كان أبناؤه سيبقون بشراً ام لا.

كانت ستي تقول اللحم زيان والمهم الصحة.أفضل القول عودوا بشراً.

(أستاذ جامعي وباحث في شؤون الأمن الغذائي، تركّز أبحاثه على طرح بدائل للنظام العالمي المسيطر)

مشاركة.

التعليقات مغلقة.