أشارت صحيفة “الأخبار” إلى أن يوماً بعد آخر، يتكشّف أن مغارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أوسع مما يتوقّع الجميع. الاشتباه القضائي بوجود عمليات اختلاس وإثراء غير مشروع وتبييض للأموال وتزوير للميزانيات ليست آخر الغيث، بل ثمة ما يتكشف يومياً عن سياسته النقدية والاستراتيجية التي اعتمدها منذ ثلاثين عاماً في إدارة نظام المدفوعات وتمويل عمليات دمج المصارف أو إقراضها ومراقبة عملها.
التدقيق في الشقّ الأخير بكشف صفحات جديدة في ملف تجاوزات الحاكم وسوء استخدامه نفوذه الوظيفي لتبديد المال العام. فبعيداً من الهندسات المالية التي عزّزت ثروات مجالس إدارات المصارف والمساهمين فيها، استفاد هؤلاء بشكل مماثل من عمليات دمج المصارف لتحقيق مزيد من الأرباح بتغطية من الحاكم نفسه.
مصرف آخر من دون محاسبته أو ملاحقته لتلاعبه بأموال المودعين ومشاركته في عمليات المضاربة. واحدة من عمليات الدمج التي تثير الشكوك جرت عام 2002، عندما أشرف مصرف لبنان على صفقة دمج «بنك بيروت الرياض» مع «بنك بيروت اللبناني» الذي يرأس مجلس إدارته رئيس جمعية المصارف الحالي سليم صفير. يومها حصلت فضيحة كبيرة أثارها الرئيس إميل لحود ونائب رئيس الحكومة في حينه عصام فارس، لكن الرئيس الراحل رفيق الحريري رفض المسّ بالحاكم الذي تبين أنه منح المصرف الجديد، «بنك بيروت»، قرضاً بقيمة 400 مليون دولار يسدد على عشر سنوات قابلة للتجديد، وبفائدة متدنية، لتغطية عملية الاستحواذ على «بنك بيروت الرياض».
هذه العملية شكلّت أحد فصول التحقيق الذي أنجزه القاضي جان طنوس حول تجاوزات سلامة والذي يستند إليه القضاة الأوروبيون، لا سيما في ألمانيا وفرنسا، لبناء ملفاتهم.
خلال التحقيق استمع طنوس في 28/11/2021 إلى سمير منصور، أحد أفراد عائلة منصور التي كانت تملك غالبية أسهم «بنك بيروت الرياض. ولدى سؤاله عن صفقة الدمج، أكد أن «قيمة أسهم بنك بيروت الرياض كانت تبلغ 25 مليون دولار بحسب تخمين مصرف لبنان»، في حين «لم تكن التزامات البنك تتعدى 40 مليون دولار«. وأكد أنه «كان شخصياً يرغب بالاندماج مع بنك فرنسبنك أو عودة، إلا أن مصرف لبنان بالتعاون مع رئيس مجلس إدارة بنك بيروت والخليج أنور الخليل (نائب سابق وعضو في كتلة التنمية والتحرير) أصرّا على دمج البنك مع بنك بيروت الذي حصل من المصرف المركزي على قرض بقيمة 625 مليار ليرة، أي ما يوازي 400 مليون دولار، في حينه». وبحسب المحضر، قال منصور إنه «تم فتح حساب باسم المحامي ميشال تويني والسيدة حسانة منثور في بنك بيروت بغية تسديد حقوق المساهمين من آل منصور». وقال منصور إنه «لا يعرف سبب وجود اسم تويني في هذا الحساب، وهو شخصياً لم ينظّم له سند توكيل». وأشار إلى أن الدين المُعطى لبنك بيروت «كان لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد لمدة مماثلة ولا يعرف مقدار الفائدة». وأضاف أنه نظّم عقوداً أو وكالات غير قابلة للعزل لمحامين ذُكرت أسماؤهم في العقد مع مصرف لبنان، وأبرز المستندات التي يحوزها حول تنازله عن أسهمه في بنك بيروت الرياض.
ما يثير الشبهة، بحسب أحد الخبراء الماليين، هو قيام مصرف لبنان بتمويل الصفقة بالكامل في حين أنه من المفترض أن يموّل جزءاً منها فقط، على أن يقع الباقي على عاتق البنك الدامج. أما قيمة الصفقة فتحدد وفق معياري تقييم الودائع وتقييم الأصول والممتلكات. وفي حال كان المصرف غير مدرج، كما كانت حالتيّ بنك بيروت الرياض وبنك بيروت آنذاك، فإن الأصول تقتضي أن يعيّن مصرف لبنان خبراء لتقييم الموجودات والمدفوعات وعدد الزبائن، علماً أن قيمة السهم تأخذ في الاعتبار الالتزامات والموجودات والأصول.
ووفق الخبير فإن التدخل الأساسي لمصرف لبنان بفعل نفوذه لمصلحة أحد المصارف يكمن في إجبار المصرف المتعثر على الدمج مع البنك المحظي من الحاكم لأن سلامة يمكنه، بكل بساطة، وقف العملية برمتها وعدم الموافقة عليها. فبحسب قانون النقد والتسليف، أي عملية مصرفية تتطلب موافقته وهو من يعطي الموافقة المبدئية للمصرف الراغب بالاستحواذ على المتعثر. إشارة هنا إلى أن الخليل أصبح لاحقاً عضواً في مجلس إدارة بنك بيروت وأحد المساهمين الأساسيين فيه.
*** للاطلاع على المقال كاملا من المصدر إضغط هنا