رأت الزميلة ميسم رزق في “الأخبار” أنه “فُتحت نار جهنم على القضاء اللبناني”. وأضافت: “لكن أهل القضاء هم من أشعل النار. المبارزة في القرارات القضائية التي شهدها لبنان نهار وليل أمس، ليست سوى مقدمة لما هو أكبر، خصوصاً أن السلطات الأخرى في البلاد غارقة في خلافاتها، وسط ارتفاع منسوب التدخل الخارجي في كل ما يتعلق بمؤسسات الدولة، وفي ظل وجود مؤشرات مقلقة لدى الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية من احتمال حصول فوضى تتجاوز الاضطرابات الاجتماعية في لبنان وتلامس حد الفلتان الأمني”.

الصراع القضائي

ولفتت رزق إلى أنه “على مدى يومين، بقيَت ارتدادات الانقلاب الذي نفذه المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار مستمرة”. وأوضحت: “وضعَ الجميع أسلحتهم القانونية على الطاولة في مواجهة مفتوحة على الأسوأ. سارع مدعي عام التمييز غسان عويدات، بدعم قضائي، إلى اتخاذ عدد من القرارات التي أبطلت مفعول الإجراءات التي قام بها البيطار، مُدشناً إياها بالعودة عن تنحيه عن الملف. وفي تطور بقي مليئاً بـ «الألغاز» السياسية، قررت النيابة العامة التمييزية «إخلاء سبيل جميع الموقوفين في ملف المرفأ مع منعهم من السفر»، وذلك وفقاً للقرار الذي وقعه عويدات وجاء فيه أن «البيطار المكفوفة يده في قضية انفجار مرفأ بيروت، اعتبر نفسه مولجاً بصلاحيات النائب العام لدى محكمة التمييز لاتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات، فيكون بذلك قد استقى صلاحياته وسلطته من الهيئات القضائية جمعاء. وبما أن هذا الأمر ينسحب أيضاً على النيابة العامة التمييزية فيسري على الأصل أيضاً. وبما أن كفّ اليد يبقي الملف بدون قاض للنظر في طلبات إخلاء الموقوفين فيه منذ أكثر من سنة. وبما أنه بالاستناد إلى المادة 9 بفقرتيها 1 و3 من العهد الدولي الخاص التي أقرت في 16-1-1966 ودخلت حيز التنفيذ في 23-3-1976 والتي صادق عليها لبنان في 3-11-1972، لذلك، تقرر إطلاق سراح الموقوفين كافة في قضية انفجار مرفأ بيروت دون استثناء ومنعهم من السفر وجعلهم بتصرف المجلس العدلي في حال انعقاده وإبلاغ من يلزم”.

وأشارت رزق إلى أنه “يسود رصد لتداعيات ما حصل، وتتجه الأنظار إلى مجلس القضاء الأعلى، الذي دعاه رئيسه القاضي سهيل عبود إلى الانعقاد اليوم لمناقشة خطوات البيطار، تلبية لطلب وزير العدل هنري الخوري. وهي الجلسة الأولى منذ أشهر، ولن يتمكن عبود من تطيير نصابها كما فعلَ سابقاً لحماية البيطار ومنع تعيين قاض رديف”.

وكشفت: “وقالت مصادر لـ«الأخبار» إن «أعضاء المجلس جميعهم سيحضرون»، وإن اجتماعات حصلت ليلاً جرى التداول فيها في القرار الذي سيتخذ بحق البيطار، ومن بينها تنحيته وتعيين بديل عنه، مشيرة إلى أن البيطار اليوم مدعى عليه من الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية الادعاء، ومن المفترض أن يتمَ تعيين قاض يقوم بالتحقيق معه بجرم «اغتصاب السلطة»، وفي حال رفض المثول ستتخذ إجراءات قد تصل إلى حد إصدار مذكرة توقيف في حقه.

وتابعت رزق: “بينما قال قانونيون إنه لا يحق للحكومة تعيين أو إقالة أي موظف رسمي، فإن أحد الحلول يستند إلى كتاب سابق للوزير خوري بطلب تعيين قاض رديف للقاضي الحالي. وهذا يعني أنه في حال قرر مجلس القضاء تعيين قاض رديف، فعليه اعتبار البيطار مخالفاً للقانون وبالتالي تتم إحالته إلى التفتيش القضائي الذي يطلب إلى وزير العدل تعيين بديل عنه. وإلا فإن البيطار في حال لم يحل إلى التفتيش يمكنه التصرف على أساس أنه القاضي الأصيل، وعندها ستكون هناك إما صعوبة أمام عمل القاضي الرديف أو تجميد الملف كله. علماً أن الفريق القضائي الموالي للقاضي عويدات، إلى جانب قوى سياسية، يميلون إلى قرار إطاحة البيطار نهائياً ونقل الملف إلى قاض جديد ومحاولة حماية التحقيق ومنع محاولات تدويله”.

أبعاد التدخل الأميركي – الفرنسي

وكشفت رزق: “وفق مصادر مطلعة فإن ما قام به البيطار لم تقف نتائجه على الصعيد الداخلي فقط. وبعدما تبين أن الجانبين الأميركي والفرنسي تدخلا في ملف التحقيقات، حصلت تطورات واتصالات خلال اليومين الماضيين، انتهت إلى النتائج الآتية:

أولاً، أبلغت السفيرة الأميركية من يهمه الأمر، بأنها سبق أن التقت القاضي البيطار وأبلغته طلب حكومتها إخلاء سبيل المواطن اللبناني الذي يحمل الجنسية الأميركية محمد زياد العوف، باعتبار أن توقف أعمال التحقيق وعدم حصول إدانة يجعل من استمرار توقيفه حجزاً تعسفياً. وأشارت إلى أن هناك نقاشاً في الكونغرس الأميركي حول احتمال اتهام السلطات اللبنانية وخصوصاً القضائية منها باحتجاز حرية العوف واعتباره رهينة. ونقل عن السفيرة الأميركية قولها إن متابعتها للملف تظهر أن القاضي البيطار لا يشبه بقية القضاة وهو ربما يقوم بأعمال لا يوافق عليها الجميع في لبنان أو يتهم بالتهور، لكن الولايات المتحدة تقدر صموده في وجه الضغوط، وخصوصاً أنه يظهر صلابة في مواجهة الضغوط التي قالت السفيرة إنها صادرة عن حزب الله.

أما السفيرة الفرنسية آن غريو، فقد أوضحت أن بلادها عندما قررت إرسال وفد قضائي إلى لبنان من ضمن الوفد المتابع لملف التحقيقات في ملف رياض سلامة، كانت تعلم أن البيطار مكفوف اليد عن الملف. وحتى اللقاء الذي حصل بينه وبين قاضيين فرنسيين، إنما تم على أساس معرفة الوفد الفرنسي بأن يده مكفوفة، ولذلك لم تتسلم فرنسا منه أي أوراق خاصة بالملف، كما رفض الوفد تسليمه المحاكاة التي أجرتها السلطات الفرنسية المعنية لانفجار المرفأ.

وأوضحت السفيرة الفرنسية أن «ما يوصف بتدخل فرنسا إنما هو متابعة من قبل السلطات القضائية الفرنسية لحدث سقط بسببه أشخاص فرنسيون، وتضرر أيضاً مواطنون فرنسيون أو يحملون الجنسية الفرنسية، وأن الحكومة الفرنسية معنية بالتوصل إلى معرفة حقيقة ما حصل، لتحصيل حقوق المتضررين من جهة، ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب جريمة بحق مواطنين فرنسيين»، مشيرة إلى أن «بلادها غير معنية بكل التصرفات التي قام بها البيطار خلال الأيام الأخيرة”.

مشاركة.

التعليقات مغلقة.