اختتم ظهر السبت 5 تشرين الثاني الجاري مؤتمر ” مستقبل الحضور المسيحي في المشرق” .وهو المؤتمر البحثي الأول الذي أقامه المركز المجري لدراسات المسيحية المشرقية ومركز المشرق للأبحاث والدراسات ، في المقر البطريركي للسريان الأرثوذكس في العطشانة- لبنان ، برعاية قداسة البطريرك أفرام الثاني ، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، الرئيس الأعلى للسريان في العالم.

وافتتح المؤتمر صباح الجمعة بحضور البطريرك أفرام الثاني ، وستة عشر أكاديمياً وباحثاً، كما حضر الوزير الهنغاري تريستان أزبي، سكرتير الدولة لشؤون مساعدة المسيحيين المضطهدين، والسفير الهنغاري في لبنان فرنس تشيلاغ، السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، ومطارنة وأساقفة ورجال دين وأكاديميين وفعاليات فكرية وثقافية.

الشامي

بدأ حفل الافتتاح بكلمة لمدير مركز المشرق للأبحاث والدراسات، منسق المؤتمر غسان الشامي تناولت الوضع المسيحي في البلدان المشرقية، ومما جاء في كلمته:” الواقع يقول إن النزف في العراق وسوريا ولبنان مرعب، أما في فلسطين فقد بات المسيحيون ديكوراً وحجارة للسياح، وفي الأردن لا يكادون يلحظون..هذا هو الواقع ومن يرى غير ذلك فقد أصيب بحَوَلٍ مديد.

لست هنا في مكان من يرشق اللون الأسود على لوحة الشمس، لكن عندما قررنا في المركز المجري للمسيحية ومركز المشرق للأبحاث والدراسات إقامة هذا المؤتمر، كان هدفنا الكشف عن الحقيقة وعدم الخجل منها ورسم طريق عبر كوكبة من الباحثين والأكاديميين والمهتمين ووضعه أمام أصحاب الشأن ..لعلَّ وعسى”.

أزبي

ثم ألقى الوزير الهنغاري تريستان أزبي كلمة جاء فيها:”هناك كلمة تحظى بالمعنى نفسه في العالم كله وهي كلمة “تضامن”. بالنسبة لنا نحن المسيحيين عبر العالم لهذه الكلمة معنى خاص في يومنا في ظل التحديات والتهديدات والهجمات التي واجهها أخوات وإخوة لنا في نواح عديدة من العالم..على مر تاريخنا نحن الهنغاريين حاربنا مرات عديدة دفاعا عن هويتنا، عن إيماننا المسيحي، وعن الروح الهنغارية، وحمينا حدودنا الجنوبية من العثمانيين ولم نحم بذلك هنغاريا وحسب بل أوروبا المسيحية بكاملها وكنا ضحية النظام الشيوعي المعادي للكنيسة في القرن العشرين”.

وأضاف أزبي : “في هذه المنطقة تواجه المجتمعات المسيحية مشاكل مختلفة عن تلك التي نواجهها في قلب أوروبا. وفي وقت يقدم لبنان نموذجا متقدما للتعايش السلمي وفي الاحترام المتبادل، أصبحت الهجرة بفعل الأزمة الإقتصادية قضية مستفحلة لا سيما في صفوف الشباب الذين يخافون على مصيرهم المجهول في المنطقة كلها”مشيراً إلى “خطورة التغير الديموغرافي الناجم عن الهجرة”، ومنتقداً “تلهي الغرب عن مثل هذه القضايا الإنسانية بتسليط الضوء على قضايا أقل أهمية كمسألة التغير المناخي”.

وقال: “لن نسمح لأوروبا بالتغاضي عن هذه الكارثة التي تحصل أمام أعيننا أو طمسها. إن منطقة الشرق الأوسط هي مصدر الحضارة المسيحية ونحن مدركون أن الحضور المسيحي ثقافيا وحضاريا بالغ الأهمية، ليس فقط من أجل إخوتنا وأخواتنا الساكنين هنا بل من أجل مسيحيتنا في العالم أجمع”.

البطريرك افرام الثاني

أما راعي المؤتمر البطريرك أفرام الثاني فجاء في كلمته: “نلتقي اليوم في ظل تحولات جذرية ووجودية تمر بها منطقتنا والكثير من دول العالم، حيث سقطت الكثير من المفاهيم وتضعضعت نظم كثيرة تاركة الإنسان في حال من الارتباك وعدم اليقين بما ينتظر بشريتنا من مستقبل قاتم مهدد بالانفجار في أية لحظة.

لقد أظهر وباء كورونا الاختلال الكبير وعدم التكافؤ بين دول وشعوب العالم. وفي ظل التهافت الكبير على الحصول على اللقاحات وغيرها من أساليب الوقاية، كادت بعض الدول -حتى الصديقة منها- أن تعلن حربا على بعضها البعض، فانكشفت هشاشة نظمنا الإنسانية والسياسية وحتى الدينية. واليوم، يعيش العالم مأساة الحرب في أوروبا، التي هي في ظاهرها تقاتل روسي-أوكراني ولكنها في جوهرها تنافس على قيادة العالم والاستيلاء على ثرواته. وأما الضحية فهو مرة أخرى الإنسان المسالم الذي يسعى إلى الحصول على لقمة العيش”.

وأضاف : “أما في منطقتنا هذه التي ابتليت بالحروب والخصومات منذ أجيال، فالإنسان يفقد كرامته كل يوم وهو يسعى جاهدا لتدبير احتياجاته الضرورية للحياة. والمسيحي -ربما أكثر من غيره- يشعر بالخوف مما ينتظره، وذلك بسبب التجربة التي مر بها خلال السنين القليلة الماضية ونعني الهجمات الهمجية للجماعات الإرهابية التكفيرية التي لم توفر البشر ولا الحجر في محاولة منها لطمس كل ما يميز هذه البلاد من إرث حضاري مادي أو روحي أو معنوي. فسارع المسيحيون قبل غيرهم للهجرة، وهكذا يكاد مشرقنا هذا يخلو من مسيحييه الذين أسهموا في بناء حضارته، وتركوا فيه بصمات لا تمحى على مر العصور”.

وتابع: “بدون شك، هذا الغياب المسيحي لا يضر فقط بالمسيحية المشرقية التي تجسد اليوم القيم المسيحية الحقيقية بعد ما أصاب الغرب من ضعف، وما انتشر فيه من تيارات مادية وإلحادية، بل هو ضربة للمجتمع المشرقي بأكمله: فالمسلم أيضا بحاجة إلى استمرار الوجود المسيحي في منطقتنا لئلا تصبح هذه البلاد ذات لون واحد يؤدي إلى انغلاق على الذات ومزيد من التعصب الديني..�إن الوجود المسيحي في المشرق ضرورة ملحة لأبناء المنطقة بمختلف انتماءاتهم، وذلك لما للمسيحيين من حضور تاريخي تنويري في المنطقة تجلى بأفضل صوره من خلال دورهم في تأسيس دواوين الدولة الأموية في دمشق، ونشاطهم العلمي والثقافي في ظلال الدولة العباسية في بغداد، وخاصة حركة التأليف والترجمة التي قادها علماء سريان. وكذلك دورهم الفعال في إعادة إحياء اللغة العربية وآدابها في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. ولا ننسى دورهم في الحياة السياسية في المنطقة من خلال إسهامهم في تأسيس الأحزاب والحركات السياسية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي”.

أعمال المؤتمر

بعد الافتتاح تابع المؤتمر أعماله من خلال خمس جلسات قدم فيها السادة محاضراتهم :

د. سعد سلوم – خبير في شؤون التنوع الديني ، أستاذ جامعي ، العراق : مسيحيو العراق بعد عشرين عاما من الغزو الاميركي.

د. كمال ديب- باحث ومؤرخ وأستاذ جامعي ، كندي من أصل لبناني : المسيحيون في مستقبل المشرق.

د. جمال واكيم- أستاذ جامعي، لبنان: استهداف المسيحية الرسولية من قبل المسيحية واليهودية الصهيونية والسلفية الإسلامية.

د. بالاش ماجور ، عالم آثار وأستاذ جامعي – هنغاريا: دور علم الآثار وحمايتها في الحفاظ على الحضور المسيحي في المشرق.

د. ناصيف قزي- أستاذ جامعي، كاتب وباحث، لبنان:”المسيحيون بين الهجرة والتهجير”… التجارب اللبنانيّة/ دروس واستنتاجات…

د. خريستو المر، لاهوتي وكاتب وأستاذ جامعي- لبناني مقيم في كندا :الكنائس المسيحية المشرقية بين واقعها وبشارة يسوع.

د. شوقي عطية-أستاذ جامعي ، لبنان:الديناميات الديموغرافية لمسيحيي المشرق.

د. الياس الحلبي- أستاذ جامعي ،لبنان: المسكونية المشرقية: خطر او فرصة؟

د. راكان رزوق- رئيس جامعة أنطاكيا السورية،سورية: الاستثمار في تعليم الشباب والحدّ من الهجرة”

أ. سركيس أبو زيد- كاتب وباحث وإعلامي، لبنان :المسيحية المشرقية: التحديات والمعنى والدور.

د. حسن حمادة- كاتب وباحث ،لبنان: الإرث المسيحي واللاهوت القومي.

أ. روي موصلي – مدير مؤسسة مار أفرام السرياني للإعمال الإنسانية، سورية : دور المؤسسات المسيحية في العمل الإغاثي والإنساني.

أ. حبيب أفرام -سياسي وباحث، لبنان : علينا اختراع الرجاء والأمل لنبقى.

الأب الياس زحلاوي- كاتب وكاهن رعية سيدة دمشق ، سورية : المشرق واليقين الآتي.

د. نقولا أبو مراد – لاهوتي وكاتب وأستاذ جامعي، لبنان: الكنائس المسكونية والتحديات.

د. سفير سليم- أستاذ جامعي، سورية: دور الشباب في مستقبل الكنيسة.

وجرت على هامش الندوات حوارات ونقاشات بين المنتدين وبين الحضور ما ساهم في إغناء البحث في المؤتمر ، حيث سيتم نشر الدراسات في موقع المركز المجري للأبحاث والدراسات

H-CLC.org تباعاً ، على أن تصدر في كتاب.

وخلص المؤتمر إلى وجوب انعقاد مؤتمر ثانٍ خلال العام المقبل، وأن يصار إلى تشكيل منتدى المشرق للحوار على أن يعقد اجتماعاته في العطشانة شهرياً حيث يدعى إليه نخبة من الباحثين.

وستصدر توصيات المؤتمر قريباً.

مشاركة.

التعليقات مغلقة.