لفت الزميل محمد وهبة في مقاله اليوم في 'الأخبار' إلى أنه 'في مشروع موازنة 2022، تقدّم وزير المال يوسف خليل خطوات في اتجاه الاستيلاء على صلاحيات تشريعية استثنائية، للحكومة أو لنفسه كوزير للمالية، لمعالجة قضايا ضريبية ونقدية ومصرفية تعود فيها الصلاحية لمجلس النواب بشكل أساسي، أو يفترض البتّ فيها في إطار خطّة الحكومة لتحديد وتوزيع الخسائر وإعادة هيكلة المصارف'. وأشار إلى أنه 'إذا مرّت البنود التي يقترحها خليل في مشروع الموازنة، سيصبح لدينا تداخل في السياسات النقدية والمالية والضريبية، إضافة إلى دمج الصلاحيات التشريعية بالتنفيذية والقضائية. تعديلات جذرية من هذا النوع لا يمكن تضمينها في مشروع الموازنة، ولا يمكن حصرها بيد الجهات نفسها التي تعدّ مسؤولة عن الانهيار'.
وأوضح وهبة أنه 'من أبرز النماذج التي تدلّ على محاولة الاستيلاء هذه، ثلاث مواد وردت في مشروع موازنة 2022 هي: 109 و132 و133. الأولى، تمنح الوزير صلاحيات استثنائية لتعديل قانون ضريبة الدخل وتحديد الشطور. والثانية، تمنح الوزير حقّ فرض أسس للتعاطي مع الودائع الجديدة بالدولار في القطاع المصرفي وكيفية تسديدها من دون أي إشارة إلى الودائع القديمة التي هي محور نزاعات قضائية بالآلاف. والثالثة، تمنح الوزير حقّ تسعير سعر صرف الليرة مقابل الدولار من خلال ما سُمي «الدولار الضريبي'.
ولفت وهبة إلى أنه 'عملياً، ما هو مطروح يعني أنه بإمكان وزير المال أو الوزير المختص، أن يأخذ القرار بتعديل قانون ضريبة الدخل على سبيل المثال، أو تعديل الغرامات، أو تعديل الرسوم، بقرار إداري يصدر عنه. هذا يعني، أنه سيتم تعديل الاقتطاعات الضريبية المفروضة بشكل شهري أو أسبوعي أو حتى يومي، في مقابل منح الوزير إمكانية التلاعب بالضريبة لخدمة مصالح فئات معينة من خلال خفض الاقتطاعات. رفع أو خفض الاقتطاعات يكون من خلال شطور الضريبة مثلاً'.
لعبة المصارف والودائع
وأضاف: 'وهذا الأمر ينطبق أيضاً على المواد الأخرى الواردة في الموازنة. فالمادة 132 جاءت بعنوان «تسديد المصارف للودائع الجديدة بالعملة الأجنبية التي تودع لديها اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون بالطريقة عينها، ورفع قيمة الضمانة عليها». وبموجب هذه المادة تُلزم المصارف بتسديد الودائع الجديدة بالعملة الأجنبية التي يتم إيداعها نقداً لديها أو من خلال التحويلات الخارجية اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون بالطريقة عينها التي أودعت لديها بناء على طلب صاحب العلاقة»، على أن ترفع قيمة الضمانة على الوديعة إلى 50 ألف دولار، وأن يحدّد دقائق تطبيق هذه المادة بقرار من حاكم مصرف لبنان.
وقال وهبة: 'لكن ما الداعي إلى هذه المادة طالما أن لدى الحاكم صلاحية مطلقة في هذا الأمر، وهو لم ينتظر هذه المادة التشريعية ليطلب من المصارف فتح «حساب فريش» والتعامل على أساسه للفصل بين الدولارات المحجوزة قسراً من قبل المصارف، وبين الدولارات الواردة إليها حديثاً. في الواقع، يبرّر خليل هذه المادة بأنها تتعلق باستقطاب ودائع جديدة بالعملة الأجنبية. ما يعني أنه يقرّ ضمناً بأن النظام المصرفي في لبنان، والذي كان جزءاً أساسياً منه، سرق الودائع واستولى عليها. ويعني أيضاً أن مصير آلاف القضايا العالقة أمام القضاء بشأن الودائع السابقة، ستبقى عالقة لوقت طويل. أصلاً ما علاقة وزير المالية بهذه المسألة من أساسها؟ الوزير يريد الاقتراض مجدداً بالعملة الأجنبية وفق المنهجية نفسها التي أودت إلى الانهيار. بمعنى آخر، يريد تحويل الاقتصاد في لبنان والمجتمع لإحياء نظام مصرفي مفلس. تدفق الودائع الجديدة إلى النظام هو سبيل من أجل إحيائه، ولتبديد المزيد من الودائع من دون أي رؤية اقتصادية.
الدولار الجمركي
وأكد وهبة أيضاً أنه 'سيكون حقّ تسعير الدولار الجمركي بيد الحكومة أو وزير المال، وسيكون له الحقّ أيضاً بتسعير كل الضرائب والرسوم وفق سعر الصرف الذي يراه مناسباً، ولا شكّ ستكون لديه القدرة على زيادة وخفض الضرائب بموجب المادة 109… بالتحديد سيكون لدى وزير المال القدرة على تحديد سعر صرف الليرة مقابل الدولار. فالسلع المبيعة محلياً، هي عبارة عن كلفة استيراد يحدّد الوزير قيمة تحويلها إلى الليرة، ويضاف إليها كلفة الضريبة التي يحدّد الوزير أيضاً قيمة تحويلها، بالتالي لم يبق من سعر السلعة سوى الكلفة التشغيلية الضئيلة قياساً مع بقية الأكلاف، وربحية التجّار التي يتم تحصيلها وفق سعر الصرف في السوق الحرّة سواء بهذا التشريع أو من دونه نظراً لغياب الدولة والاحتكارات… بالتالي سيكون سعر الصرف لعبة بيد وزير واحد'.