كتب الزميل إيلي الفرزلي في 'الأخبار': 'العتَمة التي لطالما كانت هاجساً مؤرقاً لكل المقيمين في لبنان، تحوّلت إلى واقع مرير. «Black Out» شامل عاشه لبنان أمس، بدءاً من السادسة صباحاً، واستمر حتى صباح اليوم. ما حصل عيّنة ممّا يمكن أن تُسبّبه العتمة. ليست المشكلة في الإنارة أو تشغيل المكيفات أو حتى تشغيل البرّادات أو تراكم الغسيل في المنازل. العتمة تعني توقّف توزيع المياه، وتعني توقّف مصافي تكرير مياه الصرف الصحي (على قلّتها)، وتعني تعطيل المرافق الحيوية، وتعني احتمال إطفاء آلات الأوكسيجين في المستشفيات وإطفاء غرف العمليات، لعدم قدرة أي مولّد خاص، إذا توفر المازوت، على التشغيل 24 ساعة يومياً…'.
ورأى الفرزلي أن 'كل ذلك حصل، من دون أن يُحرّك أي مسؤول ساكناً. فضّل هؤلاء دفن رؤوسهم في الرمال، ومن ظهر منهم سعى إلى استغلال الأزمة في البازار السياسي، نازعاً عن نفسه المسؤولية، حتى وصل الأمر إلى أعضاء في مجلس إدارة كهرباء لبنان أعلنوا، وهم في موقع القرار، عدم مسؤوليتهم عن كل ما يحصل'.
واعتبر أن 'المطلوب، على ما يبدو، ليس إيجاد الحلول، بل أن يعتاد الناس العتمة كما تعوّدوا شحّ البنزين'. وأوضح: 'فما جعل العتمة الشاملة واقعاً سيتكرر. شحّ الدولار وتقنين مصرف لبنان لفتح اعتمادات الفيول ورفضه تمويل حاجة القطاع إلى قطع الغيار والصيانة، ستجعل المعامل مهدّدة بالتوقّف كل يوم. لا جديد في الإشارة إلى أن الأزمة اليوم مرتبطة بتأخّر مصرف لبنان بفتح اعتمادات شحنة «ديزل أويل»، ثم تأخّر المصرف المراسل في تأكيد هذه الاعتمادات (تلك خطوة صارت ضرورية للمورّدين العالميين ليوافقوا على التعامل مع لبنان)'.
ولفت الفرزلي إلى أن 'الخبر نفسه سيتكرر مع كل شحنة. فُتح اعتماد، لم يُفتح. أُفرِغت الشحنة، لم تُفرغ. مصطلحات دخلت إلى القاموس اللبناني في زمن الانهيار، والمرجح أن لا تُسحب منه قريباً. فطالما هنالك شح بالدولارات، وطالما أن السلطة مستقيلة من واجباتها وارتضت الذل للناس، فلا حلول في الأفق، إلا متى تقرر الخروج من نفق المعالجات الروتينية. فما حصل في الاتفاق مع العراق، يمكن أن يحصل مع دول أخرى. لم يعرف بعد ماذا تنتظر السلطة للجوء إلى أصدقاء لبنان طلباً للفيول أو حتى الغاز، إما على شكل هبات أو عبر الاتفاق على طريقة دفع مرنة'.
وتابع الفرزلي: 'لكن في ظل خشية من أن يكون الصمت الرسمي مؤشراً لإقفال الملف، تؤكد مصادر مسؤولة أن توقيع العقد لن يكون بعيداً، مشيرة إلى أن مسودته صارت جاهزة. وتم تشكيل لجنة تضم ممثلاً عن وزارة الطاقة وممثلاً عن مصرف لبنان لوضع اللمسات الأخيرة عليه، تمهيداً لتوقيعه من قبل وزارة الطاقة. وبحسب المصادر، بعدما أقرّت الحكومة العراقية رفع الكمية من ٥٠٠ ألف طن إلى مليون طن من النفط، انتقل الملف إلى المرحلة الإجرائية، والنقطة المركزية فيها هي الاتفاق على آلية الدفع. وهذه مسألة جرى التفاوض بشأنها بين المصرفين المركزيين العراقي واللبناني، بإشراف مباشر من رئاستَي الحكومة في البلدين.
وبالنتيجة، تقرر أن يفتح البنك المركزي العراقي حساباً مصرفياً بالدولار لدى مصرف لبنان، على أن يتم توريد الفيول إلى لبنان بعد فتح اعتماد مستندي من قبل المصرف المركزي، باسم إحدى الجهات الحكومية اللبنانية أو باسم مؤسسة كهرباء لبنان، لمصلحة المصرف المركزي العراقي (نيابة عن شركة تسويق النفط العراقية SOMO). هنا كانت الإشكالية بالنسبة إلى مصرف لبنان تتعلق بضمان عدم سحب الاعتمادات التي يفتحها من قبل الجانب العراقي'.