أفرزت الانتخابات النيابية مجلساً هجيناً لا تسيطر فيه جهة سياسية معينة كأكثرية على جهة أخرى، فتغيّرت وجوه كانت تعتبر أساسية في المجلس النيابيّ والحكومات السابقة، وأطلت وجوه جديدة ولو بشكل محدود، كما بقيت للأسف بعض الوجوه التي تعد من أساس الطبقة السياسية التي أفسدت الجمهورية.
فكيف سيكون عمل المجلس الجديد في ظل غياب الأكثرية والأقلية ؟ وهل هذا سيخدم مصلحة الوطن ؟
وبعد طي صفحة الانتخابات بحلوها ومرها، وانشغال بعض الناس بالاحتفالات والتهاني، والتهاليل والمفرقعات والرصاص العشوائي وسندويشات المشاوي، وبعضهم الآخر بالمهدئات والمسكنات لتخطي صدمتهم الانتخابية ووجع الأرقام والحواصل وخيانة الخائنين. ها هو الواقع المأزوم يطل برأسه من جديد بأزماته المعيشية، التي تخنق المواطن من دون وجود معالجة جدية وخريطة طريق واضحة للتصدي لها. فما نفع كل هذه الاحتفالات والمواطن لا يزال يئن من طوابير الذل وأزمة الدواء والأفران ومحطات البنزين، واستمرار زيادة الدين العام، وتقنين الكهرباء، وصعود سعر الصرف، وعدم وجود خطة لرجوع اللاجئين السوريين إلى ديارهم ؟!!
على المواطن أن يعي أن دوره لم ينته عند صندوق الاقتراع لأن البلد يمر بمرحلة استثنائية ودقيقة، تتطلب منه الوعي والمتابعة الحثيثة بشكل دوري للنائب الذي اختاره ممثلاً له في البرلمان، وان لا يتركه للانتخابات القادمة لكي يحاسبه على عمله التشريعي والانمائي ومراقبة عمل السلطة التنفيذية، فالمحاسبة والمتابعة من واجبات المواطن الصالح.
لا شك في أن غياب الأكثرية والأقلية عن المجلس النيابي المنتخب، قد يعزز فكرة عدم استئثار أي فريق بالقرار، وهذا ما يدفع بالأفرقاء المتخاصمين إلى التعاون في سبيل بناء الجمهورية القوية إن كانت هناك نوايا إصلاح جادة. لا سيما أن هناك ثلاثة استحقاقات أساسية أمامنا وهي:
١- انتخاب رئيس مجلس النواب.
٢- تكليف رئيس حكومة ومن ثم تأليفها وأخذ الثقة.
٣- انتخاب رئيس جمهورية.
وفي ظل هذه الضبابية النيابية اليوم هناك تخوف من عرقلة هذه الاستحقاقات، وذلك عبر فقدان النصاب في المجلس النيابي، وتأخير تأليف الحكومة وتسمية رئيسها، والامتناع عن انتخاب رئيس للجمهورية فيحل الفراغ في هذا الموقع، وقد تواجه تمسك بعض المكونات بالميثاقية لحين الوصول الى تسويات، واسترجاع الديمقراطية التوافقية التي تبتعد كل البعد عن الديمقراطية الحقيقية لأنها لا تنتج إلا تسويات، قد لا تصبّ في مصلحة الجمهورية والمواطن.
فالمطلوب إذن ديمقراطية حقيقية لكي يكتمل المشهد بعد ما أفرزته صناديق الاقتراع، والمطلوب أيضاً معارضة حقيقية تتحمّل مسؤوليتها، وشعب يواكب ممثليه، ويحاسبهم بأساليب ديمقراطية فيرفع الصوت عالياً، ويبادر إلى تحميلهم المسؤولية في حال الفشل والخطأ لكي يتمكن من تحديد المسؤول عن هذا الخراب، دافعاً بذلك نحو التغيير، والعبور الى الدولة الحقيقية، دولة القانون والمؤسسات.
فليتحمل كل منا مسؤولياته، يا شعب لبنان العظيم، ولنبادر إلى العمل!
آرام تشابريان